هل ندفن شكاوى الأقباط فى قبر اللامبالاة والنسيان؟ هل نسد آذاننا ونتخيل أن الدنيا وردية؟ لابد من أن نسمعهم بجد واهتمام، ونتسامح مع بعض العبارات المتشنجة، لأننا نعرف أن الغليان فى براد محكم الإغلاق لابد أن يحفر ثقباً يتطاير منه رذاذ الكبت، لا من موقع البرج العاجى ولكن من موقع الشراكة فى الأرض نفسها. هذه رسالة من الأخ باهر مرقص يقول فيها:

تحملنى قليلا يا أخى فى الوطن، فنحن لم يعد لنا منفذ للشكوى إلا لله أولا وللعقلاء من أحبابى وإخوتى المصريين المسلمين، أنا حزين، وحزنى حقيقى يدفعنى إلى الانتحار النفسى وليس الجسدى، القلوب محطمة والعقول متهاوية بداخلنا يا سيدى، متى تفهموننا؟ متى يستطيع كل

مسلم أن يعلم أن مسيحيى مصر ليسوا أعداء ولا طامعين فى أن يحكموا هذا الوطن أو يغيروا مسلميه ليدينوا بالمسيحية؟ أنا شخصياً أرى أن 95% منهم لا يطمعون سوى فى إحساس

المساواة والكرامة، أريد أن أشعر ـ وأنا داخل إحدى مؤسسات الوطن أنهى أى أوراق رسمية ـ بأننى لست خائفا من اسمى حتى لا يعقد لى موظف حكومى أوراقى لمجرد كونى مسيحيا، أريد أن أصلى داخل كنيستى وأنا لست مرتعبا من دخول من يقتلنى أو يحرقنى داخل الكنيسة، أريد أن أرى بنتى تكبر أمامى أو أن تنال حقها فى حياة كريمة داخل هذا الوطن».

عزيزى العاقل، أنا لا أنكر أن هناك بعض الأمور الاستفزازية التى حدثت مؤخرا أثناء تظاهرات أقباط مصر أو تصريحاتهم كما يحلو للبعض أن يسموها استفزازات، ولكن ألم نتعلم فى العلوم أن لكل فعل رد فعل، أنت وغيرك من العقلاء تعلمون كيف يتصرف ويتعامل أقباط

مصر، إننا نخاف ونخشى خوف الموت كسر أى قانون، أجبرنا طوال حياتنا على المشى جنب الحيط «زى ما بيقولوا»، نسدد ضرائبنا ونؤدى خدمتنا العسكرية ونخشى الرشوة، ليس لأننا كلنا ملائكة أو أبرار لكن لأننا نعلم أن من يقع منا لن يكون وقوعه سهلا، فجريمة المسيحى

بألف جريمة، ينظر لنا شزرا ونتهم فى عقيدتنا فنصمت، ويكون أبلغ رد لنا هو أن تعلن الكنيسة عن صيام «الثلاثة أيام» فتخرج الأبواق لتهلل: انظروا كيف تعلن الكنيسة العصيان على الدولة؟ كيف تشعل الفتنة الطائفية؟ نقتل فنهلل ونبكى ونحزن ونكتم الألم والغيظ، نسمع بآذاننا فى كل يوم جمعة خطابات تكفيرنا فى خطبة الجمعة ببعض المساجد ونتجاهل ذلك، برغم تألمنا، لم ولن نحمل يوماً سلاحاً لنهاجم أو حتى لندافع،

ومستعدون لتحمل نصيبنا كاملا فى بناء هذا الوطن، ولكن بالله عليك ألا نستحق منكم العدل، ألا يحق لنا أن نحيا فى سلام يا أخى العزيز؟! أستميحك عذرا إن كانت كلماتى قاسية عليك ولكن طفح الكيل يا أخى، طفح الكيل، إننا نتحمل معكم عذراً أضعاف ما تتحملونه، نحن نتحمل معا آثام عصر الذل والمهانة والفشل فى كل العهود يداً بيد، إلا أننا نتحمل فوق كل هذا تلك الروح العنصرية التى أصبحت تملأ الكثير من نفوس بعض إخوتنا من المسلمين.

إن الحلول يا سيدى الفاضل ليست فى القوانين ولا توفيق أوضاع بعض الكنائس المخالفة أو فى إظهار الحزن والتعاطف، إنما الحلول تبدأ من تغيير نفوس وثقافة البشر، وأنا لا أعفيكم من مسؤولية تغيير عقول إخوتنا من المسلمين الذين تبعوا طريق التشدد والتطرف، أنا لست عدوا

لكم، أنا أخوكم، كل قطرة دم تجرى فى عروقى تجرى مثلها قطرات داخل شرايينكم، أنا إنسان.. أرجوكم لا تقتلوا فرصتى فى الحياة، فالله لا يرضى بذلك أبدا، كل من يريد أن يقتنع أو يقنع الآخرين بأن قتلى واستباحة دمى من صحيح الدين هو لا يدين بأى دين وهو لا يعرف الله أبدا.

عفوا أخى الكريم، وشكرا لقراءتك كلماتى المتشنجة والمتوترة هذه، لكن ما باليد حيلة، فلابد أن تسمعونا، وليس أفضل من عقلاء المسلمين ليسمعوا.